مارّون | عصام دراوشة

 

 

 

 

 

ما بين الجسمانيّ والنفسانيّ

تمثّل أعمال عصام دراوشة بحثًا شخصيًّا يتمحور حول الإنسان، ويرتكز على البورتريهات التي لا تبحث بالضرورة عن التشابه الخارجيّ، إنّما عن نافذة لاكتشاف الذات والتعبير عنها بأشكال وأذواق متنوّعة. وجه الإنسان وتعابيره النابعة من مشاعره، والمتغيّرة على الدوام، تجعل من التقاط صورة له شيئًا معقّدًا، ولا سيّما أنّ المشاعر تتفاعل وتتأثّر بالبيئة المحيطة مباشرة، والتي قد تشكّل في هذا السياق نوعًا من التناقض بين العالمين الداخليّ والخارجيّ، ما يؤثّر في أمور كالهويّة والانتماء. كلّما أراد الفنّان التعبير عن مثل هذه الحالات، برزت الصراعات والتناقضات في أعماله، وهكذا هي أعمال دراوشة.

من التشخيص إلى التجريب

بدأ دراوشة مسيرته الفنّيّة رسّامًا تشخيصيًّا (figurative) وتقليديًّا مع بورتريهات ذاتيّة، وأخرى لأناس يعرفهم، ليتحوّل مع الوقت إلى الأسلوب التجريبيّ (experimental)، مستكشفًا أشكالًا وأذواقًا أخرى للتعبير، ومستخدمًا عناصر تجريديّة وغيرها من العناصر المستقاة من فنّ الشوارع (street art).

عمليّة إنتاج الأعمال تجارب، فلا توجد معايير وأدوات محدّدة في جميع الأعمال؛ في كلّ عمل أو مجموعة أعمال تُستعمل وتُمزج عدّة  تقنيّات، كالزيت، والأكريل، والغرافيتي، والفحم، وغيرها، وأساليب مختلفة للحصول على ملمس (texture) جديد ومختلف.

يستوحي دراوشة ملامح أعماله، عادة، من أناس يقابلهم ويصوّرهم في مرسمه، ليضفي على أعماله نوعًا من الواقعيّة. عمله معالجًا فيزيائيًّا (فيزيوثيرابيست)، واهتمامه بعلم التشريح (anatomy)، يمكّنانه من التدقيق بالتركيب البنيويّ للجسم، والوجه، والأشكال المتنوّعة والمختلفة التي تتّخذها. كما يدمج عناصر تجريديّة إلى البورتريهات أيضًا، لتتحوّل إلى مزيج يعبّر عن المنطقة ما بين الثبات والحركة، وما بين الجسمانيّ والنفسانيّ.

بحث مستمرّ

يعمل دراوشة على مجموعات أعمال غالبًا، وليس أعمالًا فرديّة؛ كلّ مجموعة لها خاصّيّتها من ناحية الفكرة والتقنيّات، لكنّها لا تخرج عن نطاق البحث المستمرّ بعامّة، الذي يتمحور حول الإنسان.

من المجموعات التي أنتجها 'ستاتوس كوو' (الوضع الراهن - Status Quo) (2014)، التي تتكوّن من أعمال تبيّن شخصيّات وبورتريهات في حالات يبرز فيها التناقض الذي يمكن أن يعيشه الفرد أو المجتمع، وهي حالات من الممكن أن تتحوّل إلى وضع راهن، كما عبّر عن ذلك إدوارد سعيد في كتابه 'المسألة الفلسطينيّة'، عندما شبّهها بالكافكيّة، أو إيميل حبيبي في كتابه 'الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل'، وهي الحالة التي التفت إليها عصام في أعماله أيضًا، ولا سيّما بعد عودته إلى البلاد بعد غياب طال أحد عشر سنة.

......

عصام دراوشة: من مواليد مدينة الناصرة عام 1984. انتقل إلى إيطاليا عام 2002 ليباشر تعليمه الجامعيّ في كلّيّة الطبّ في جامعة جنوا، وليتخصّص في مجال العلاج الفيزيائيّ. بعد أن أنهى تعليمه عام 2008، جعله اهتمامه وشغفه بالفنون، ولا سيّما الفنون التشكيليّة، يلتحق بأكاديميّة جنوا للفنون الجميلة (Accademia Ligustica di Belle Arti di Genova) عام 2009/ 2010.

تخرّج من الأكاديميّة عام 2013، بعد أن قدّم أطروحة بعنوان 'الخطّ العربيّ في الفنّ المعاصر'  ('La Calligrafia Araba, Una Forma d'Arte Contemporanea')، وكانت بمثابة تعريف بجزء من جذوره وهويّته الفلسطينيّة.

عاد إلى البلاد ليستقرّ في الناصرة أواخر عام 2013، وليبدأ العمل في الأستوديو الذي أقامه هناك.

من أعماله: مجموعة 'ستاتوس كوو' (الوضع الراهن - Status Quo) (2014)، ومجموعة 'تشويه' (2014/ 2015)، و'غرباء محلّيّون' (2015)، و'تعقيد' (2015).